كلنا نتساءل لماذا تغير حالنا وأصبحنا نحيا حياة بلا احتمال، وقلَّ الرضا، وحمد الله، وزاد الفساد، وغدونا نلهث بنهمٍ وحرص شديدين على المال، وتلوثت النفوس، وعبست الوجوه وفقدنا راحة البال؟
بتنا نتوق إلى حياة هادئة وخالية ولو للحظة من التفكير فيما حدث وما سيحدث، وكيف لنا أن نحقق الآمال، واضطرب كياننا بين ذكريات لأيام كان القلب والعقل مطمئنين
راضيين بما قدر المولى، والحمد لا يغفله القلب واللسان.
أتذكر دعوة أمى -رحمة الله عليها- (ربنا يريح بالك)، دعوة تبدو بسيطة إلا أنها تحوى كل الكمال، إن تحققت لك تنَل كل الخير وتعِش قرير العين مطمئن القلب، وتشعر كما لو أنك ملكت الدنيا بمن عليها.
تمضى حياتك سعيدا ولا غضاضة فى مواجهة المشاكل، فالحياة مزيج ما بين المتناقضات: فرح وحزن، شقاء وسعادة، وفقر وغنى.
المهم قدرتك على قبولها والتكيف فيها لتعيش مرتاح البال، كى تقوى عليها وتستطيع تسديد اللكمات لمعضلات الأمور بثقة فى النصر ومقدرة على الصبر والاحتمال.
فمهما ثقلت همومك وانحنى ظهرك فإنك تقدر على تحطيمها بلا هوادة ولا رفق.
ولكننا بفقدنا راحة البال غدونا كالريشة فى مهب الريح، وأحيانًا على شفا حفرة من سكتة قلبية، وعشنا فى توتر وقلق وخوف.
لقد افتقدنا الاستمتاع بما وهبه الله لنا، كل شىء فى نظرنا ناقص، نرى القبح جليًّا ونغمض أعيننا عن الجمال،
وهذا من افتقادنا راحة البال، دعوة الأم لأبنائها التى تعلم سرها من سكينة القلب وفراغ العقل مما يقلقه ويثقل عليه.
فالبال موضعه الفكر والفكر موضعه العقل والقلب، فإنك عندما تقول أصلح الله بالك، أى أصلح خاطرك وتفكيرك وقلبك.
فماذا نرجو أكثر من هذا؟!
فأنت إن انشغل بالك بأمر ما لا يغمض لك جفن، ويئن قلبك أنينًا يسمعه القاصى والدانى أحيانا لعظم ما ألمَّ بك، وإن انشغل عقلك بهذا الأمر لم يعد به مكان لغيره.
بينما لو وهبك الرحمن راحة البال يهنأ قلبك بكل شىء، ويسكن عقلك وتخمد نيرانه.
فهى نعمة لا تقدر بثمن، وهبة عظيمة لمن وهبه الله إياها.
يقول المولى عز وجل فى سورة محمد -عليه الصلاة والسلام- (والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم).
وهبنا الله وإياكم راحة البال وسعادة الدارين فضلًا وجودًا منه عز وجل!