الستات عملت ثورة، ايوة عملت ثورة. لا مش قصدي ثورة يناير و لا يمكن أقارنها بثورة يناير. ليه؟ لان ثورة الستات ممكن تكون نجحت بجد ، لكن ثورة يناير عليها خلاف .
ازاي ما حدش واخد باله من ثورة الستات ؟ الثورة دي بدأت من شوية سنين كتير، بدأت لما البنات اتعلمت صح، و اشتغلت و اتجوزت و هي فاكرة انها عايشة في القرن الواحد و العشرين و ان الراجل هو شريكها في كل حاجة، دة اذا ما كانش هيشيل عنها كل حاجة و يتحمل مسؤليته كراجل البيت زي
أبوها و عمها وجدها،
و لكنها اول ما تدخل القفص ، تفاجأ انها هي لوحدها اللي عايشة في القرن الواحد و العشرين و ان الراجل ، مهما لبس و اتعلم و اتكلم لغات، لسا عايش في دور سي السيد! ، أو يمكن حتي ما حصلش زمن سي السيد! مش عايز يقوم من علي الكرسي ، مش عايز يتحمل مسؤلية حاجة مستني أمينة تعمل كل حاجة!
لحد هنا و الست بتبقي مصدومة ، و مش عارفة طيب هي ليه علموها في المدرسة و الجامعة ان المرأة نصف المجتمع؟ ليه قالولها أن الزوج شريك في الحياة ؟ ليه في دروس الجامع و في حصص الدين بيقولوا أن الراجل ليه القوامة؟
و يصيبها لحظات من الشك في درجة ذكائها و استيعابها للمعلومات ! يعني أنا اللي فاهمة غلط و لا هم ضحكوا علي؟ و تبدأ الست في مرحلة الشك دي فتسأل أمها وخالتها و صاحبتها اللي اتجوزت قبلها و أبوها و أخوها وابن عمها ، و هنا تفجع الفاجعة الكبري و تكتشف انها وقعت في الفخ ! الكل أكد لها أن كل المبادئ اللي درستها دي صح ، بس .. الحياة حاجة تانية ، المبادئ دي تقوليها في الشغل و المؤتمرات و، مع صاحباتك في النادي، ما
، لكن تنسيها تماما جوة البيت. في البيت لازم تشوفي اللي يريح البيه جوزك و تعمليه و انتي راضية و مبسوطة، لازم جوزك يرضي عنك أحسن يطير منك!
و هنا تبدأ الزوجة في ممارسة الانفصام في الشخصية الذي يطالبها به الجميع ! ايوة لازم يجي لك انفصام في الشخصية زي المجتمع عشان تعيشي، لانك لو رفضتي، المجتمع كله هيلفظك و يشاور عليكي و يقول : العاقلة اهه اهه
فتتقمص الزوجة شخصية أمينة وتنخرط في دوامة انفصام الشخصية ؛ فهي موظفة صباحا تمارس عملها بفخر، و تنادي بحقوق المرأة و تشدو بأهمية تعليم المرأة وتتظاهر من أجل أن تصل المرأة لارفع المناصب ثم تعود بيتها و تدخل الشرنقة فتمارس باقي الادوار الاخري، فهي طباخة ، و سواقة و مدرسة و زوجة ، تتبع كل ما يمليه عليها المجتمع ! ماشي خلاص هي الدنيا كدة .
و تظل الزوجة تقاوم اعراض الإنفصام تارة و تنجرف له تارة، فتطحن بين رحايا ضناها الذين تخاف عليهم حتي من جرح شعورهم حتى من صوت الصراخ يعلو في البيت ، وبين رحايا زوج و مجتمع بيطحن اكتر و يطالبها بالمزيد دائما .
و في بعض الاحيان تتحمل الزوجة كل ما سبق ، و كمان تتحمل مسؤولية الانفاق الكامل علي البيت، خضوعا لظروف الحياة ، و هي علي ذمة راجل ، و تظل الاعباء تزيد واحدا تلو الاخر ، حتي تثور المرأة و ترفع الراية البيضاء و الحمراء و السوداء و تصرخ قائلة (( ليه اتحمل كل دة لوحدي؟ هو انا متجوزة ليه؟ طيب هي القوامة فين؟ و لو صرفت أنا القوامة هترجع لي ؟ ) و عادة ما تعلن المرأة ثورتها بكلمة فاينال تشبه صفارة الحكم في نهاية الدقيقة الاخيرة من الشوط التاني، فتصرخ و تقول بإصرار عجيب : طلقني
هنا يبدأ اعلان الثورة و مجابهتها ، لان الزوج و العيلة و المجتمع كله بيقف علي رجل عشان يخمد ثورة الست و يرجعها لعقلها. و بنشوف شهيدات كثيرات استسلمن للمجتمع و لسوء الحظ و لقسوة الحياة ، فدهستهم الضغوطات و العادات التقاليد ، تماما كما دهست السيارات شهداء ثورة يناير. و في المقابل عاش أخريات رفضن الاستسلام ، و قاومن الانفصام بل و بدأن النضال ضد المجتمع و بحثن عن شريك جديد ، يقوى علي تحمل المسؤلية و يكمل معهن المشوار. و تبحث المرأة في هذه المرة عن الشريك بمعايير سليمة غير سقيمة . و في أغلب الحالات التي رأيتها بعيني في السنوات الماضية تنجح المرأة في الاختيار الثاني و تصل له ربما أسرع مما تصل له بنت العشرين ربيعا ، على غير المتوقع!
و ثورة الستات ليست دعوة للطلاق و لا دعوة للثورة في وجه الرجال، انما هي دعوة للمرأة ألا تقبل أن تطحن بين الرحايا ، و ألا تضيع عمرها في التحسر و الالم . دعوة لان يقوم كل فرد في المجتمع بدوره و لا يرمي الجميع بالكورة في وجه المرأة ثم يطالبوها ألا تتألم أو تتظلم.. فالرجل اذا لم يثر لرفع الظلم عن المرأة لابد سيطوله الشرر المتطاير ، و المجتمع الذي لا يأخذ بيد ابناءه ، يغرق معهم. ثورة الستات هي دعوة حتى يثور المجتمع كله ضد العادات و التقاليد الموروثة التي تظلم المرأة و تضعها في كورنر دائما ، في حين ترفع نفس العادات ، هامش الحرية عند الرجل حتي تناطح حريته السحاب،ثورة الستات هي دعوة للثورة ضد العادات و التقاليد التي يعاني منها كل أفراد المجتمع رجالا و نساءا، كما عانوا من الفساد السياسي عقود طويلة ثم ثاروا عليه ، بغض النظر عن نتائج ثورتهم، و لكنهم نالوا شرف الثورة بدلا من ذل الخنوع و الاستسلام، و أضاءوا الطريق لأجيال قادمة لتتبع خطاهم.