يوميات بنت عايشة لوحدها”وابتدت منين الحكاية؟” تكتبها أماني زيان

بدأت الحكاية عندما كانت في الثانية عشرة من عمرها، تحلم بالاستقلال، فقد ربتها والدتها على أن تفكر وتقرر وتتحمل مسئولية قراراتها، فاعتقدت أنها مؤهلة لتصبح مستقلة، كلما رأت أو سمعت عن قصص في أوروبا أو غيرها عن استقلال الشباب في سن الثامنة عشرة، زادت رغبتها في تحقيق هذا الحلم.

فتناقشت مع والدتها، فقالت لها إن الدين الإسلامي قد أقر الاستقلال من سن الواحد والعشرين، فبدأت تحسب كم تبقى لها من سنوات، وتقول لوالدتها: “فاضل لي 9 سنوات وأتم 21 سنة وأستقل وأعيش لوحدي”.

كانت ترى والدتها يرتسم على وجهها ابتسامة يملؤها الفخر والحب، مع لمسة خوف لم تعرف سببه، عندمل أتمت السادسة عشرة ذهبت لوالدتها تعد لها على أصابع اليد الواحدة: “باقي 5 سنين بس يا ماما واعيش لوحدي”.

هذه المرة تغيرت نظرة الأم وأصبحت مملوءة بالخوف يكسوها الكثير من الحب والقلق، فقد اختفت نظرة الفخر من تعبيرات وجهها!

بل ردت عليها والدتها هذه المرة: “ماتطلوبيهاش”!، نظرت لها بكل براءة وبحماس الشباب الطفولي: “لا يا ماما، أنا متفقة معاكي، هستقل ووالله هاجي أزورك دايما”.

ربتت الأم على كتفها ولم تفهم الفتاة تلك النظرة في وقتها، لم تكن تعي أن أمها مشفقة عليها من تلك البراءة.

قبل أن تتم الواحدة والعشرين بعام وشهرين توفت والدتها بشكل مفاجئ، وأصبحت في يوم وليلة: “فتاة تعيش لوحدها” لكن ليس باختيارها، بل رغما عنها.

لكن هذه الخطوة بعد فترة من رفض العائلة وإرغامها في البداية على أن تعيش عند إحدى اختيها في البداية، ولم تشعر بالراحة، فدائما كانت تحس بأنها ضيفة .. ثقيلة، حتى لو لم يقصد أحدا ذلك.

حدثت بعض المواقف التي جعلتها تتذكر أمثال من نوعية: “يا بخت من زار وخفف”، و”من خرج من داره قل مقداره”!

عاشت بمفردها يتصل بها أحد من كبار العائلة الذين عارضوا في البداية بشدة هذا الوضع، بل أخذوا يبعثوا لها اللوم على تقصيرها بحقهم! وأنها لا تسأل عليهم!

اكتشفت أنه بموت أمها ماتت كل العلاقات،عرفت الآن معنى النظرة التي كانت تنظرها لها أمها كلما ذكرت لها أنها ستعيش لوحدها، لم تكن تعرف أنه قرار صعب وتبعاته موجعة، خاصة مع ذهاب الظهر الذي كانت ستلجأ له وقت الشدة، شعرت في لحظة أنها في الهواء دون سند أو حماية.

اعتقدت أن ما تربت عليه هو قانون عام، فالكذب حرام، والكبير يجب أن يُحترم، والغش خطيئة، والنفاق داء، والحكم على الآخرين من شيم صغار النفس!

خرجت من صندوق حياتها لبحر هائج، رغم قدرتها على السباحة فإن الأمواج كانت تلطمها واحدة تلو الأخرى كادت تغرقها، لكن لأن أمها لم تكن مثل باقي الأمهات، لا تطبطب ولا تأخذ في أحضانها، بل كانت دائما تجبرها على الوقوف بمفردها، بكلمات حاسمة، “هتفضلي تعيطي كتير؟ لسة في الدنيا حاجات أكبر وأقسى، حوشي دموعك”.

وكأنها كانت تهيئها لهذا اليوم، كانت تشجعها فقد بنظرة عينها، فأصبحت تسترجع تلك النظرة وتقف مرة أخرى على قدميها وتكمل الطريق.

لكنها كانت دائما تنظر خلفها تبحث عمن تسأله وتستشيره فلا تجد أحدا، فتتردد، هل تكمل أم ترجع؟

لم يبقى لها الآن إلا الخريطة، أو ما تسميه بقانون السلامة الذي وضعته وتركته لها أمها، والحنين، الكثير من الحنين.

مع كل لطمة كانت تزداد قوة وصلابة، وينقص منها شيء ما، علمت أن للحياة قوانين مختلفة، فهمت معنى الكلمة التي لطالما كانت تقولها أمها: “خلي عندك ذكاء اجتماعي”.

كانت اذا بكت تتذكر كلمات والدتها: “لسة بدري على الدموع، اجمدي وكله هيعدي”.

كانت تعتبر هذا منتهى القسوة في وقتها، لكنها في معترك الحياة، اكتشفت أنه منتهى الحب.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.