محمد عبد الخالق يكتب ” سرد أحداث انتحار خروف العيد؟!”

هل يمكن أن يقرر الخروف الانتحار هربا من دور غير مقتنع به؟ هل يمكن أن يعلن احتجاجه بكل هذه القسوة وهذا العنف منهيا حياته، ليقضي على بهجة العيد لتلك الأسرة البسيطة، ويترك بدلا منها حسرة على ثمنة الذي راح هباء؟

وقعت أحداث هذا الحادث الأليم في ظهيرة أحد أيام صيف 1987 الحارة، وقبل عيد الأضحى بأيام معدودة، عندما مر عبد المحسن في طريقه من عمله للمنزل على تجمع من البشر يتحلقون حول تاجر أغنام، ولم تمر دقائق حتى كان عبد المحسن يخرج من بين الحشد وفي يده اليمني حقيبته وفي اليسرى حبل مربوط طرفه الآخر في أحد أرجل الخروف الأمامية، وعلى شفتيه ابتسامة المنتصر.

دقائق أخرى وكان عبد المحسن أفندي يدلف من بوابة منزله دافعا الخروف أمامه على درجات السلم بصعوبة قطعت نفسه، حتى وصل به إلى باب شقته في الطابق الثالث، وقبل الضغط على جرس الباب، انطلق الخروف كالسهم قافذا من نافذة السلم، التي تطل على الشارع، ليسقط منتحرا قبل حتى فرحة أطفال عم عبد المحسن به.

لوفكرنا في الأمر بهدوء ودون خجل، سنجد أن الخروف فكر في الأمر بشكل أكثر منطقية وموضوعية من كثيرين منا، ولا أريد من أحد أن يغضب من هذا الكلام، فتشريعات الله تعالى جاءت كلها للخير ولسبب واضح، فمثلا إخراج “زكاة الفطر” يكون لكفاية الفقير وإعفائه من السؤال يوم العيد، أي منحه ما يريده هو وما يحدده هو، وما يحدده هو بناء على أولوياته هو، لا أن نعطيه ما نراه نحن أو نقرره نحن، لذلك فلا أرى منطقا اليوم في حديث من يقولون إنه يجب إخراج “زكاة الفطر” حبوبا كما كان يحدث في عهد النبوة.

فإذا كانت حاجة الفقراء في ذلك العهد كانت محدودة جدا، تكاد تنحصر في فراش من الخوص وغطاء من صوف الحيوانات ولقمة تسد رمقهم، فإن حاجات الفقراء في عصرنا الحالي متعددة ومتنوعة، منها الطعام ومنها الملبس ومنها تسديد ثمن إيجار المنزل، أو تسديد مصاريف المدارس وشراء مستلزماتها، وتسديد فواتير الخدمات (كهرباء ومياة ….إلخ).

لذا فإنه من المنطق والعقل أن نخرج “ّالذكاة” بكل أنواعها أموالا، ينفقها مستحقوها في الوجه الذي يحتاجه ويمثل له أولوية وأهمية قصوى.

وبنفس المنطق يمكننا أن نقيس على الأضحية، وهى إحدى الشعائر التي تندرج تحت بند (من استطاع إليه سبيلا)، فإذا كنت قادرا على تنويع أشكال الخير، وتملك أن تذبح وتعطي الفقراء أموالا، فلا بأس من الذبح وإحياء شعيرة أصيلة وأساسية من شعائر الإسلام المنصوص عليها في القرآن الكريم.

أما إذا كان الأمر بالنسبة لك مرهقا ماديا، فالأفضل أن تستغل الثمن الذي ستدفعه في الخروف، الذي وصل اليوم لأرقام فلكية، في إفادة الفقراء إفادة أكثر أهمية من أكل اللحم، فمنهم من يريد شراء ملابس جديدة لأبنائه، ومنهم من يريد شراء دواء أهم عنده من أكل اللحم، فاللحم في هذا اليوم يكون كثيرا ووفيرا، لدرجة أن بعض الفقراء يجمعونه ويبحثون عمن يشتريه منهم.

أخيرا … تحية لروح هذا الخروف الذي رأي ووعى ما لم يره ويعيه الكثيرون منا، وعرف أن الفقراء الذين نتحجج بإعطائهم من لحمه، بحاجة لتلك الأموال أكثر من حاجتهم لكيلو اللحم المخلوط بالدهن والعظم، وشعر بعدمية حياته ومماته ودوره فانتحر.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.