كان يا ما كان زمان ، تتجمع السيدات في منزل إحداهن ، أو في أي نادي اجتماعي ليمارسوا هوايتهن الشهيرة في النم و الفضفضة و تبادل الاستشارات الأسرية البسيطة منها مثل (طبختي ايه النهاردة ، و أعمل ايه في ابني اللي ما بيذاكرش ) والخاصة منها مثل ( جوزى بيخونى اعمل ايه، اتخانقت مع حماتى ،…) و لكن جرت العادة ان هذه الاستشارات الخاصة ينتابها أحيانا بعض الحرج من كشف المشاكل العائلية ، أو الخوف من أن تنقلب احدى المستمعات الي عدوة يوما ما فتفضح الأسرار، أو أن تكون الأخت الناصحة ، لها مصلحة ما او ذات نفس حاقدة ، فتنصح بعكس ما يجب أن تنصح به.
و لن أنكر أن جلسات السيدات ، لا تزال لا تخلو من تلك الفضفضات و الاستشارات ، إلا أن تطورا جللا قد حدث بدخول السوشيال ميديا في حياتنا ، فقد غزت جروبات الفيسبوك بيوت السيدات ، و فتحت لهن بابا إضافيا للفضفضة و للاستشارة ، بابا سحريا واسعا ، يستمتعن فيه بعدم معرفة عضوات الجروب شخصيا، مما يتيح لهن جوا من الراحة النفسية عند إبداء مشاكلهن بكل ما فيها من خصوصية ، و عندما يدلين بآرائهن فيها بكل صراحة، دون وجود أدنى شك في أي مصلحة خاصة من وراء ذلك .
فاكتظ الفيسبوك بجروبات متخصصة من حيث المكان ؛ فهناك جروب لكل مجموعة سيدات يقطن مكان ما أو يعملن في شركة ما ، وهناك جروبات تتخصص في الموضوع تناقش مشاكل الشعر، و نصائح الديكور و مشاكل الأطفال ، ووصفات الطبخ وهناك جروبات خاصة جدا و مغلقة لحل المشاكل الخاصة جدا التي لا تجرؤ أي سيدة علي ذكرها أمام مجموعة من السيدات اللاتي تعرفهن ، وأتاح الفيسبوك لمثل هذه الجروبات أن تستلم أدمن الجروب المشاكل في صورة شخصية عن طريق البريد الخاص بها ، و تعطيها رقم مسلسل ، لتحمي سرية و خصوصية صاحبة المشكلة ، ثم تنشر المشكلة في الجروب ليتم تلقي الآراء و تبادل الخبرات بين عضوات الجروب الأخريات ، و تضع أغلب هذه الجروبات قوانينا تحمي العضوات المشتركات أيضا ؛ مثل منع تصوير الردود او تداولها خارج الجروب.
و قد يكون لهذا التطور الحضاري، الذي ابتدعته السيدات لممارسة هوايتهن في الكلام ، مميزات منها أن من يرى بلوة غيره تهون عليه بلوته، و من تري المشاكل الزوجية او الخاصة لسيدة ما ، تحمد الله علي حالها و انها تتيح لهن معرفة الحالة الأخلاقية التي وصل لها الزواج بأزواجه و زوجاته في هذا العصر ، بل والتعرف علي طريقة تفكير العازبات و التعرف علي مشاكلهن النفسية او الاجتماعية ، و مساعدة الفتيات الصغيرات اللائي يواجهن مشاكل في الحب أو الخطبة أو مع الأهل سواء أهلها أو أهل العريس .
باختصار تسمح هذه الجروبات للسيدة بالاطلاع علي العديد من خصوصيات البيوت الأخري من خلال البنورة المسحورة، و يتيح لكل منهن أن تبدي رأيها في المشكلة دون خجل أو حرج. فتتعرف السيدات في الجروبات المفتوحة الغير سرية إلى معرفة أحدث المنتجات في كل المجالات، و تعمل علي تقديم رأي صريح في عيوب كل منتج حسب خبرة المستهلكات، كذلك تسمح جروبات بتبادل الخبرات حول الخادمات و صورهن للتعرف عليهن اذا ما كن قد سرقن او ارتكبن أي سلوك مشين في بيت اخر لتوخي الحذر اللازم.
و تبادل المعرفة و الخبرات هنا شئ قيم للغاية.
أما عن عيوب هذا التطور ؛ فهو أن بعض السيدات ممكن (يفتوا) فيبدين النصح دون علم ، أو قد يحدث اشتباك بين العضوات لاختلاف الآراء و الثقافات ، أو قد تقوم احدى المشتركات بتسريب المشاكل العائلية لأطرافها الحقيقين، اذا استطاعت التعرف عليهم ، فتنقل أسرار بيت ما إلى زوج صاحبة المشكلة أو أهلها فتقع الواقعة وتشتعل نيران المشاكل أكثر و أكثر .
كما أن بعض الزوجات او السيدات قد يبدأن في الشك في أخلاق أزواجهن و سلوكياتهن ، دون أن يكون الزوج الغلبان قد قام بأي شئ غريب، فهو يسير في درب الحياة كالمعتاد ، فيفاجأ بأن زوجته تشك في سلوكه لأنه قدم لها هدية عيد ميلادها مثلا أغلي من كل مرة ، و هذه كانت إحدى علامات خيانة زوج عضوة من العضوات علي الجروب .
فاختلاف الشخصيات و الخبرات و الآراء قد يؤذي البعض ، فما يصلح في أسرة قد يخرب بيت أسرة أخرى ، و ما يناسب زوجين قد لا يتماشى مع زوجين آخرين ، و الظروف الثقافية و الأخلاقية قد تتيح للبعض بالتصرف بطريقة ، تعتبرها ثقافة أخري من المحرمات!
لكن علي كل حال ، فهذا التطور هو أمر طبيعي في تطور المجتمعات، و هو يشبه الى حد كبير الانفتاح علي النت في بداياته أو فتح الستالايت وفك تشفير القنوات التليفزيونية؛ حيث حدث حينها اضطراب بين الجمهور فيما يصح أن يعرض وما لا يصح ، حتي انتهى بهم الأمر للتعرض الانتقائي لما يناسب كل شخص بحسب قيمه و معتقداته.
وفي النهاية يجب أن أحيي السيدات اللائي لم يتركن أي مجالا تكنولوجيا الا و تعلموه وخاضوا فيه بل طوعوه لما يناسبهن و يناسب ميولهن ولكن الحذر واجب يا عزيزاتي فالتور و الميديا سلاح ذو حدين .