لم يخطئ حدس الطفلة الصغيرة زها عندما كانت تشعر بأنها ستصبح واحدة من أشهر وأنجح النساء على مستوى العالم. حيث كانت الفتاة المدللة شديدة الثقة بنفسها وبإمكاناتها حيث ساهمت تربيتها في تكوين شخصيتها الباهرة والشجاعة حين كانت تقول: “لم أشك يومًا في إنني سأصير محترفة لذا فإن نجاحي ليس مفاجأة لي”.
دار الأوبرا قي الصين
ولدت زها محمد حديد عام 1950 في العاصمة العراقية بغداد، لعائلة ثرية ذات نفوذ؛ حيث كان والدها محمد الحاج حُسَين حديد رجل أعمال عراقي وسياسي بارز، بينما كانت والدتها وجيهة الصابونجي فنانة. كانت زها فتاة ذكيَّة وطموحة، درست الرياضيات بالجامعة الأمريكية في بيروت ثم انتقلت إلى لندن لدراسة الهندسة المعمارية بكلية الجمعية المعمارية هناك لتصبح فيما بعد إحدى نابغات عصرها في الفن المعماري الحديث ونالت شهادة التخرج سنة 1977.
متحف القرن الحادي والعشرين بروما
لعب المحيط العائلي لزها حديد دوراً رئيساً في صقل موهبتها وتوفير أعلى مستوى تعليم لها، وكانت عائلتها منفتحة على الثقافة الغربية فضلًا عن اعتزارها بثقافتها المحلية. جدير بالذكر أن عشق زها حديد للهندسة يعود إلى الرحلات التي كان يصحبها والدها خلالها للتعرف على معالم الحضارة السومرية في جنوب العراق وهذا ما يفسر الشبه الكبير بين عدد من تصميماتها وروح الهندسة السومرية، حيث استطاعت حديد أن تمزج بين الثقافة السومرية والروح العصرية، يذكر أن زها ظلت معتزة بعروبتها إلى آخر يوم في حياتها وكانت تقول “أنا عربية عراقية ولست بريطانية”.
وبعد تخرجها، حصلت زها على الجنسية البريطانية – بعد هجرة عائلتها واستقرارها في المملكة المتحدة ودعم والديها لها وثقتهما بها بغير حدود مما سهل لها إنشاء مكتبها الخاص للهندسة المعمارية الذي حققت من خلاله نجاحًا هائلاً. اكتسبت تصميمات زها المُبتكرة والتجريدية شُهرةً عالمية، وفي خلال سنوات أثبتت ذاتها كأحد أشهر المِعْمَاريين عالميًا.
عرف عن زها ميلها للخيال عند وضع تصاميمها المعمارية -بل ومبالغتها فيه في بعض الأحيان- لذا انقسمت الآراء حولها ما بين مؤيد ومعارض نظرًا لتفرد أعمالها وتمردها على المدارس الكلاسيكية. نالت صيحات الموضة أيضًا حظًا من اهتمام حديد حيث لم تكتف بالتصميمات المعمارية فقط بل عملت على تصميم الحقائب والأحذية بذوق رفيع وجديد في نفس الوقت.
وبعد 10 سنوات من العمل الشاق والصعب خلال ثمانينات القرن الماضي والذي شمل التدريس في بعض المعاهد التعليمية أيضًا، بدأ اسمها يكبر ويشتهر عالمياً بعد أن فازت بعدد من الجوائز وعملت على بعض المشروعات الكبرى، وعلى الرغم التحديات التي واجهتها من كبار المهندسين الذين شككوا في قدرتها على إنجاز بعضاً من مشروعاتها الكبرى على اعتبار أنها معقدة للغاية وغير مسبوقة في مدارس الهندسة العالمية، إلا أن زها نجحت في إنجاز عدد منها، ما جعل منها المهندسة الأشهر وأعلى المعماريين أجرًا على مستوى العالم.
حصدت حديد على العديد من الجوائز والأوسمة والميداليات والألقاب الشرفية وشهادات التقدير من أساطير العمارة؛ قامت بتصميم 30 مبنى في أربع قارات على مدار 4 عقود من الزمان وتميزت تصاميمها بالإبداع والبعد الشديد عن التقليدية بينما اخذ عليها البعض أن مبانيها مخصصة للأثرياء والجهات رفيعة المستوى بينما لم تصمم شيئًا للفقراء.
مطار الصين الدولي
تعتبر زها حديد أوَّل امرأة عربية تحصل على جائزة بريتزكر في عام 2004 التي تعد بمثابة نوبل في الهندسة المعمارية، ومن أشهر أعمالها التي قادتها لتكون المهندسة الأشهر في العالم متحف القرن الواحد والعشرين الوطني في العاصمة الإيطالية روما والذي تم افتتاحه في 2010 بعد نحو 12 سنة من بداية الأعمال فيه ويعتبر هذا العمل هو الأحب إلى قلب الفنانة العالمية. توفيت زها حديد عن عمر يناهز 65 عامًا في الولايات المتحدة عام 2016، وعند وفاتها، قدرت ثروتها الضخمة بـ215 مليون دولار، شاملة ممتلكاتها العقارية واستثمارتها في الأسهم، ومشاريعها في مجالات التجميل، والمطاعم، وفريق لكرة القدم، والعطور، وخط أزياء. يذكر أن زها حديد التي لم يكن لها زوج ولا ابناء يرثونها صنفت في المرتبة الرابعة بقائمة أقوى 100 امرأة عربية لعام 2013.