حوار : أمنية الغنام
فاطمة ناعوت اديبة وكاتبه شديدة الثقافة، غالبا ما تثير آراؤها جدلا واسعا ويختلف حولها الكثيرون،يُعرف عنها توجهها العلماني وتأييدها لحركات تنوير المرأة،هي عضو اتحاد كتاب مصر وحائزة على جائزة جبران العالمية 2014 في استراليا، بلغت مؤلفاتها حوالي24 مؤلفا ما بين كتب ودواوين شعرية ونقد وترجمات أدبية.قامت مجلة “حرة” بزيارة الأديبة في منزلها الذي غطت أركانه اللون الأخضر من نباتات الزينة،وعُلقت على جدرانه عددا من البورتريهات لها حول مكتبة كبيرة تضم إنتاجها الأدبي وكتب أخرى في كافة المجالات،والملفت للنظر وجودركن مميز يتوسط غرفة المعيشة يعكس شخصيتها المؤمنة بالتعددية وقبول الآخر من كافة الأديان،وضعت على رفوف مكتبته نسخة من القرآن الكريم بجواره تمثال للسيدة البتول مريم العذراء، وحجر كتبت عليه الوصايا العشر، مع تمثال فرعوني لماعت حاملة ميزان العدالة،بالإضافة لتمثالي بوذا وزراديشت.
– بدأت المجلة حوارها مع ناعوت بسؤالها عن مفهوم حرية المرأة من وجهة نظرها؟
حرية المرأة هي حرية الإنسان، وتنطلق حريتها من حرية العقل والروح، وعليها أن تعي أنها في أعلى السلم الوظيفي كإنسان يتحمل طاقة الحمل والولادة فهي كائن عظيم استثنائي كرمها ربنا، فإذا أدركت أنها بهذا الرقي، شعرت أنها حرة، ولا أعني بذلك التحرر كما يفهم البعض في طريقة الملبس مثلا، بل أقصدالحرية المسئولة، أما العبارة التي يستخدمها الرجال في وصفهم للنساء بأنهن ناقصات عقل ودين، إنما قالها الرسول الكريم في لحظة مزاح لنساء بيته.
– يتخذ البعض حرية المرأة كذريعة لممارسة العنف ضدها كحالات التحرش مثلا … فما رأيك؟
المرأة مساهمة في ذلك، ليس لأنها ترتدي ملابسها بطريقة معينة، بل لأنها اعتادت على أن يتم معاكستها ولا تقوم بالإبلاغ عن المتحرش، حيث تجمع ذكور القبيلة على أن يشعروها بضآلتها، ودائما أقول أن هناك ثلاثة أعداء كلاسيكيين للمرأة وعدو آخر رابع وهم: (المجتمع الرجعي، الرجل المأزوم فاقد الثقة، وسوء تأويل النص الديني) أما العدو الرابع فهي المرأة نفسها، حيث تتواطأ مع الآخرين على نفسها، بل وتلغي كيانها وتشعر بالرجل كعكاز لها وكأنها كسيحة حتى أنها في بعض الأحيان تتنازل عن اسمها ولا تحب أن تُنادى به صراحة.
أنا من عائلة ديكتاتورية، أمي من أصول تركية وأبي قاهري المولد،تعود أصوله لمحافظة المنوفية، وكان من الصوفية شديدي الثقافة، حببني في التراث الإسلامي وتوفي وأنا صغيرة، لم يكن مسموحا لنا سوى بالمذاكرة صيفا وشتاء حتى نتفوق، وكانت الهوايات في أضيق الحدود، ولا نعلن عنها، لذلك كنت أكتب على استحياء من وراء أمي، وأذكر أنني كنت أتسلل خلسة لبيت جارنا الملحن محمد الموجي لعزف الموسيقى، وكنت صديقة لبناته لكن أمي كانت تلاحقني. – لم يكن مسموحا لك أن تعلني عن هواياتك،وكانت دراستك الجامعية في كلية الهندسة …فكيف انتهى بك الأمر للكتابة؟
أنا بالفعل عملت بالمجال الهندسي في مكتب حسين صبور للاستشارات الهندسية لمدة 10 سنوات حصلت خلالها على عدة جوائز عالمية في الهندسة المعمارية، لكن الهندسة والكتابة كلاهما غيور ولا يجتمعان، خاصة أن حبي للكتابة بدأ منذ الطفولة مع حبي للشعر والأدب، وكنت أكتب أثناء الكلية حتى جاء يوم استضفنا فيه الشاعر عبد الرحمن الأبنودي –في مدرَج فلسطين-وبعد أن قرأ لنا الشعر طلب الاستماع للمواهب الموجودة، فدفعني أصدقائي لإلقاء الشعر وأنا في قمة الخجل، وعندما انتهيت ضمني الأبنودي إليه وقال لي بلهجته الصعيدية: “إنتي شاعرة يا بت، إوعاكي يا فاطنة تسيبي الشعر”، ومازلت أتذكر كلماته كوسام مبكر كلما شعرت بالحزن ألجأ إليها، ومع الاستمرار في الكتابة شعرت بأهميتها كطاقة لمقاومة كل قبح في الحياة، وبالتالي خلصت لاختيارها عن الهندسة.
– كيف تقبلت التحديات والكبوات في حياتك؟
أنا أقوى من أي حاجة ومحاربة،تبكيني كلمة وتبهجني كلمة، لكني صلبة ومررت في حياتي بكبوتين،أصعبهما مرض ابني الصغير عُمر بالتوحد، ومع ذلك هو حاليا فنان وصمم لي غلاف ديوان شعري السادس “صانع الفرح”، أما الكبوة الثانية فكانت قضيتي الأخيرة(تحفظت ناعوت في الحديث عنها وتقصد بها قضية ازدراء الأديان وصدر ضدها حكم بالسجن ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ) وأنا في هذا الشأن أرفض أن تمر الأمور مرور الكرام، وأقاوم الاعتياد، فآفة المبدع الاعتياد، ولابد أن أرى أشياء لا يراها غيري، وتحضرني هنا عبارة نزار قباني: “إذا لم تستطع أن تأتي شيئا مبدعا فلا تتحرش بالورق الأبيض”.
– توجهك العلماني دائما ما يُقرن اسمك باسم الراحل فرج فودة وإبراهيم عيسى وإسلام بحيري…اشرحي لي الرابط في هذا الإطار؟
هناك بالطبع رابط كبير يربطني بهم،فأنا دائما ما أقول: لي آباء كثيرون وأبي الأكبر “ابن رشد”، وكل الفلاسفة القدامى تعلمت منهم كما تعلمت من الشيخ محمد عبده والشهيد فرج فودة، وعن إبراهيم عيسى وإسلام بحيري فأنا أصفهم بحملة المشاعل، حيث يربطنا جميعا الرغبة العارمة في تنوير المجتمع، والعلمانية التي تم تشويهها على أيدي الجهلاء وصدقهم البسطاء هو مصطلح شديد النصاعة والبراءة، ويعني ببساطة أن تقف الدولة على مسافة متساويةبين كافة الأديان، بمعنى ألا يتم تسييس الدين، فلا تفرق الدولة بين مواطنيها على أسس العقيدة، وهذا قمة العدل الإلهي، فكل الأديان تلتقي -وإن اختلفت في بعض الرؤى- على وحدانية الله،فلهذا الكون إله واحد فقط شئنا أم أبينا، وأنا أشبهه كالنور في نهاية النفقُ، كلُ يراه عبر منظوره، فتتفق الأديان جميعا على المبادئ الإنسانية العليا ولا يوجد دين يقول اكره، اظلم، أوفرَق فالعلمانية تعني ألا تميز الدولة أحدا على آخر تمييزا طائفيا، لكن للأسف عندنا نحن العرب خطأ جوهري في تشويه التعريفات والمصطلحات.
– العلمانية كما وصفتها لم تمنعك بمطالبة الأزهر بتكفير داعش كأمن قومي
طالبت الأزهر بتكفير داعش لكون مصر في لحظة حرب، وفي الحرب يجوز ما لا يجوز في غيرها، لأن داعش محسوبة علينا شئنا أم أبينا كإرهاب له دين، وأنا ضد التكفير بشكل عام وأربأ بالأزهر ألا يساعد مصر.

– ما المطلوب من مؤسسة الأزهر؟
أولا: أن تتم تنقية المناهج الأزهرية، فبعد أن تم تغييرها وقت شيخ الأزهر السابق سيد طنطاوي أعيدت مرة أخرى بعد وفاته. ثانيا: الآيات المدنية التي تحث على قتال غير المسلمين كان لها أسباب تاريخية خاصة بها، ولذلك أنا أريد بيان رسمي موثق أن الذي يقتل مسيحي يكون خارج عن كتاب الله، وأن يتم تعليم ذلك في المدارس والمنابر والإعلام المرئي والمسموع بشكل علني واضح.
– لك مقولة شهيرة “تعلنون علينا ظلامكم، وعليكم نعلن الحب ونعلن التنوير” لمن تقوليها اليوم؟
أوجهها للإرهابيين والتكفيريين ورجال الدين الذين يحرضون على إشاعة البغضاء والكراهية وأقولها لكل من يشوه ديني.