“تجربة نادرة مع الشعور بالوحدة تحولت إلى قوة ومتعة “جوع المشاعر وأوجاع القلوب

 

إعداد وترجمة / أ. أمل كمال

كم هو موجع جوع القلوب

تحكي لنا مؤلفة الكتاب الرائع The Lonely City أو المدينة الوحيدة للكاتبة أوليفيا لينج عن تجرتها مع الاحساس بالوحدة والذي مرت به في يوم عيد ميلادها- وكيف تخطت تلك الأحاسيس السلبية وفكرت في الأمر من منظور مختلف.

تقول لينج في مستهل كتابها: “كانت أكثر فترة عانيت فيها من الوحدة تلك التي كنت أعيش فيها في نيويورك، عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء أعتقد أن السبب في احساسي الشديد بالوحدة هو أنني كنت لم أزل في مرحلة الشباب التي يملأها المرح والسعادة حيث كنت قد تقبلت أخيرًا فكرة الارتباط العاطفي. كنت من ضمن القليلين في دائرة أصدقائي التي لم ترتبط عاطفيًا بعد وبدأت ينتابني الشعور باليأس من الزواج أو تكوين أسرة. في الشهور القاسية التالية، كنت لا أنام ولا آكل كالمعتاد، كما بدأ شعري يتساقط مما ضاعف من معاناتي.

عندما كنت في العشرينيات، كنت أنا من يبادر بانهاء العلاقة والانسحاب منها لتأكدي من أن هناك فرصة أفضل قادمة. ولكن الآن بعد أن بلغت الرابعة والثلاثين بدأت ثقتي في نفسي تتضاءل. كان احتياجي للأنس والدفء يقتلني بعد أن صرت شبه مقتنعة بأني غير مرغوبة، ومما زاد الأمر سوءًا أنني كنت أعيش في بلد أجنبية مما زاد من احساسي بالوحدة.

أما أسوأ يوم في تلك الفترة فكان يوم عيد ميلادي الـ35 فبرغم مرور سنوات على هذه المناسبة الا انني كلما تذكرته شعرت بالألم. كان ذلك في فصل الربيع، وكانت المدينة مزينة بألوان الأزهار وكنت أجلس في الأمسيات وحيدة كعادتي خلف زجاج النافذة أرقب المحبين وهم يسيرون في ود وسعادة.

عادة لا أشعر بالراحة يوم عيد ميلادي، ولكن في هذا العام كنت أشعر بالقلق بشكل جنوني. قررت مع صديقة لي أن نخرج كمجوعة أصدقاء لنحتفل سويًا وكنت أرسل لأصدقائي رسائل بالبريد الالكتروني واستعرض جميع المطاعم التي تصلح للأجواء الاحتفالية. ولكن مع اقتراب اليوم، شعرت بحماس صديقتي يفتر حيث لم نستقر على مكان محدد وكنت أشعر باحراج أن أسألها عما يحدث. اتصلت بي صديقتي عشية عيد ميلادي مقترحة على أن نتقابل أنا وهي فقط في المساء ونحتفل سويًا في هدوء وسررت لذلك. وفي الصباح احتفيت بنفسي؛ تناولت وجبة افطار مشبعة واشتريت جاكيت جديد: كوني قوية ومستقلة..هكذا حدثت نفسي! وكأنها خطة رسمتها للأعوام القادمة ومشيت إلى منزلي أشاهد الصبية يلعبون كرة السلة في مرح وانطلاق وشعرت أن جمال المدينة يرفع من روحي المعنوية، وقلت لنفسي ربما تتحسن الأمور ويحدث لي ما يسعدني.

وتستطرد الكاتبة في وصف أصعب مراحل حياته قائلة: ظللت أنتظر صديقتي ولكنها لم تأت مما ضاعف من احساسي بالعزلة وأني جد تعيسة ومرفوضة مرة أخرى. تجمدت في مكاني وكأنني أصبحت نموذجًا مجسدًا لكلمة وحدة. قرأت ذات مرة أن علماء النفس بجامعة شيكاغو قاموا بدراسة حديثة أظهرت أنه عندما يبدأ الأشخاص في الشعور بالوحدة، تؤدي تلك التجربة إلى تغييرات كبيرة في كيفية تعامل أدمغتهم مع التفاعلات الاجتماعية. يتحول الشخص عندها إلى انسان متجنب للمخاطر ويفسر العالم من حوله بتأويلات سلبية مما ينتج عنه مزيد من الوحدة والشك والانسحاب.

عادة ما يتطور الشعور بالوحدة إلى الأسوأ، وهذا ما يفسر استسلام الكثير من البشر له، حيث يؤدي إلى تقويض قدرتنا على التواصل مع الآخرين. وهذا ما يفسر حالتي عندئذ حيث عجزت عن الاتصال بصديقتي عندما لم تأت في الموعد كما لم أتصل بغيرها بحثًا عن خطة بديلة، لم أتمكن من خوض مخاطرة تكون نتيجتها مخيبة لي كسابقتها، لذلك اخترت الانسحاب لحماية نفسي على الرغم من أن هذا الانسحاب سيحرمني من أكثر الأشياء التي تمنيتها ألا وهي: الحميمية والصحبة والعاطفة.

وهكذا جلست في منزلي أنتظر رنين هاتفي بلا أمل. ولكن في الشهور التالية، بدأت أفكر في الأمر بطريقة مختلفة. بدأت أنغمس في العمل أكثر من ذي قبل لأواجه وحدتي وإذا استرجعت بذاكرتي ملاحظة سمعتها من أحد الأصدقاء أو حدث تأخير في الرد على بريدي الالكتروني وهي الأشياء التي كانت تدخلني في دائرة القلق المرضي، كنت أتوقف لأذكر نفسي أن قدرتي على قراءة المواقف كانت تميل إلى الشك والارتياب. كنت أهدئ من روعي كي لا أندفع نحو أفكاري القديمة.

وهنا بدأت مرحلة جديدة من التفكير أدركت فيها أن ما من إنسان محصن ضد الشعور بالوحدة، قد يمثل الزواج والدخل المرتفع رادعًا معقولًا ولكنه ليس ضمان مؤكد ضد هذا الشعور القاتل. بدأت أدرك عندئذ أن الوحدة أحد التوابع الحتمية لوجودنا في هذه الحياة. فنحن ندخل في علاقات ونخرج منها حيث لا أحد يمتلك المناعة المطلقة ضد الفقدان. وبمرور الوقت، أصبحت الوحدة بالنسبة لي حالة من القوة والروعة ولدت لديّ حساسية خاصة لما يدور بداخلي فإذا تمكنت من مقاومة الشك والقلق فما أشعر به الآن هو أكثر من انفتاح على الحياة الخارجية؛ احساس رائع ومرعب في آن واحد.

إن الشعور بالوحدة لم يكن مجرد رغبة في أن أقابل شخصًا يحبني، بل كان أعمق وأكثر شراسة من ذلك. لقد جعلني الشعور بالوحدة أكثر عرضة للأذى والاصابة بكل ما هو سئ وكان رد فعلي الأولي هو محاولة الإخفاء ولكن في الحقيقة اكتشفت أن هذه الحالة من الانفتاح بعد الانغلاق كان لها جمالها الخاص. علمتني الوحدة أخيرًا كيف أتكيف مع المشاعر القاسية وأن أدرك بوعي أن تلك المشاعر تجئ وتذهب مثل كل شئ في حياتنا مما جعلني أقوى من ذي قبل. أنا مازلت أعيش بمفردي وأشعر أحيانًا بالوحدة ولكن الأمر لم يعد يزعجني أو يصيبني بالفزع، بل على العكس، جعلني أصبح أكثر شفافية للضعف البشري وهي الحالة الأساسية التي يشترك فيها كل البشر بغض النظر عن مظاهر الثراء في حياتنا. إذا كنت وحيدًا فلست وحدك، هناك الكثيرون يمرون بنفس حالتك وقد أكون أنا منهم، لا داعي للشعور بالخجل فأنت الآن قد لمست ما يشعر به القلب البشري من جوع عاطفي.

المصدر : Oprah.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.