العلاقة الصحية والتوازن بين الحميمية والحدود الشخصية

العلاقة الصحية

العلاقة الصحية – بقلم: غادة السمان

مذيعة بالتليفزيون المصري وأخصائي نفسي اكلينيكي 

 

معظم الكلام في هذا الأيام عن العلاقات المؤذية وعن الشخصيات السامة والمؤذية.

فأصبح الكل يخاف ويحذر ويتوقع الشر من الآخر وأصبحت العلاقات الصحية والطبيعية ينظر لها على أنها شيء نادر، غريب، ومحظوظ من يجدها، ولكن قبل أن نبدأ معًا لنتعرف على العلاقات الصحية وكيف أنها سهلة وموجودة ومتوفرة.

ما هي العلاقة الصحية؟

  • هل هي علاقة قائمة على سعادة دائمة؟!
  • رضا دائم ومستمر بين طرفيها؟!
  • هل هي علاقة تبدأ وتستمر بنفس الحرارة لا فتور ولا ملل؟!!
  • هل هي علاقة دون أخطاء من أي طرف؟!

لو إجاباتنا على هذه الأسئلة بنعم إذن نسميها علاقة مثالية وليست علاقة صحية.

العلاقة المثالية

هي علاقة خيالية لا يمكن أن تكون بين البشر، هي علاقة بين اثنين من الملائكة ونحن بشريين نعترف ببشريتنا وضعفنا.

والعلاقة الصحية هي العلاقة التي تحترم بشريتنا وتدعمها، بشريتنا بها القوة والضعف، الحماس والملل، الإخلاص والخيانة، الخير والشر.

والعلاقة الصحية هي تلك العلاقة التي يستطيع فيها الطرفان تحقيق التوازن بين طرفيها، على أساس هذا الأساس قد تجد علاقة صحية بين اثنين من المجرمين مثلًا.

هما يجمعان ذات المعتقدات والأفكار عن أنفسهم وعن المجتمع وعن المبادئ الأخلاقية ويتشاركان فيها بشريتهما المشوهة، ويتوازنان معًا ويتفقان ويحققان كل جوانب أو معظم جوانب العلاقة الصحية.

العلاقات الصحية
العلاقات الصحية

ما هي أعمدة العلاقة الصحية بين البشريين؟!

أولًا:

العلاقة الصحية هي التي تبدأ بشكل طبيعي دون إجبار أو تحايل ودون مبالغة من المشاعر، غريبان يلتقيان يتعارفان لتأخذ العلاقة الإنسانية من التشكل بشكل تدريجي ألفة، تبادل معلومات، تكرار تعامل، ومواقف حياتية حقيقية تجمع الطرفين وليس مواقف متخيلة عن طريق التواصل الاجتماعي.

مثلًا: هذه العلاقات مثل الطبخ على نار هادئة لتتجانس مكونات الطبخة معًا.

اقرأ أيضًا العلاقات الصحية في حياتنا – ا. دينا شعلان

ثانيًا: 

وبعد قيام العلاقة بشكلها الطبيعي الهادئ ولكي تستمر صحية فهناك عوامل مهمة يجب أن تتوفر مثل التوافق والمساواة؛ توافق بين مستوى القبول بين الطرفين ومساواة في درجة الانجذاب والرغبة في الاستمرار، توافق في الاتجاهات والميول والمبادئ والرغبات.

لذلك قلت في البداية أن هذه العلاقة الصحية قد تكون بين اثنين مجرمين مثلًا طالما توافرت بها المقومات، هي بالطبع صحية بالنسبة لهما وليس بالنسبة للمجتمع ولكن فقط المثالي لتوضيح المعنى.

الثقة واللطف وتبادل المجاملات والانفتاح العقلي والقلبي على الآخر، ومشاركة الأهداف الحياتية والطموحات حتى لو مجال كل من الطرفين مختلف عن الآخر، لكنهما يلتقيان في نقطة تجمعهما هي الآمال والأحلام وطرق تحقيقها.

هذه النقطة تحديدًا هي نقطة ارتكاز مهمة جدًا إلى العلاقة سواء زوجين أو أصدقاء، الأحلام والآمال، والأهداف ومشاركتها بين الطرفين، ودعم كل طرف للآخر ليحقق هدفه.

في بعض الحالات قد يكون لأحد الطرفي أهداف واضحة بينما الآخر يسير من حياته كما هي.

يشكل هذا الأمر صعوبة على الطرفين حيث لا يدرك الطرف الذي بلا هدف أهمية وجود أهداف في الحياة أصلًا.

هنا الأمر يعتمد عليه في محاولة تفهم ودعم الطرف صاحب الأهداف، أو التقليل منه ومن أهدافه مما يهدد ابنة العلاقة.

الحدود      الحميمية     = الدعم

ما هي أعمدة العلاقة الصحية بين البشريين؟!
ما هي أعمدة العلاقة الصحية بين البشريين؟!

ثلاث قواعد في العلاقة تتداخل وقد تتعارض لو لم يفهمها الطرفان

من أجمل مراحل العلاقات هي مرحلة الحميمية، الحميمية الروحية والعقلية والجسدية بكل أشكالها تبعًا لنوع العلاقة.

هي مرحلة الترابط الحقيقي بين الطرفين ومن المهم جدًا ألا تبدأ بها العلاقة أو تكون هي أساس العلاقة لأن الحميمية سواء كانت بين صديقين أو زوجين؛ عندما تبدأ بها العلاقة تكون تمثيلية إلى حدٍ كبير وخالية من روح الفهم والتآلف والأمان والثقة والتي من المفروض تكونت على نار هادئة كما قلنا من البداية.

المقال

الوصول لدرجة الحميمية بين الأصدقاء أو الأزواج تعني ذوبان حدود كثيرة بين الطرفين وانفتاح على الآخر بشكل كبير.

وهنا تأتي الكلمة الثانية الحدود والخصوصية.

هل تنتهي الحدود والخصوصية عند عتبة الحميمية؟!

هنا نقطة ارتكاز للعلاقات هامة جدًا.

فمهما بلغت الحميمية بين الطرفين يجب أن يظل هناك خصوصية وحدود لكل منهما.

فتكويننا البشري يجعل كل واحد متفردًا بذاته، متفردًا كالبصمة لا يتكرر، متفردًا في مشاعره وأفكاره.

تكونية النفس، رغباته، صفاته، قوته.

مكنونات نفسه العميقة التي قد تفاجئه هو شخصيًا من نفسه، لذلك كما تفصل القنافذ في الشتاء القارص للتدفئة تتقارب وتتداخل؛ ولكن بحدود تحافظ على بعضها البعض من التأذي من الأشواك.

قد يهمك أيضًا معني توكسيك والعلاقات السامة .. تعرف عليها!

ثلاث قواعد في العلاقة تتداخل وقد تتعارض لو لم يفهما الطرفان
هل تنتهي الحدود والخصوصية عند عتبة الحميمية؟!

تحقيق هذا التوازن بين الحميمية والحدود الشخصية

أمر دقيق جدًا يحتاج قدر من الوعي الكبير لدى الطرفين وأخيرًا نقطتين هامتين عن بناء العلاقات وهما: التقبل والتسامح.

على قدر بساطة الكلمتين إلا أنهما يحتاجان جهدًا جبارًا من الطرفين في أي علاقة إنسانية.

التقبل لنفسي ولعيوبي ولاحتياجاتي عمومًا ومن الطرف الآخر خصوصًا، التقبل لبشريتي والتي تتغير مع الظروف والمؤثرات والخبرات والعمر، التقبل لتطوير نفسه ورفعه الجمود.

ثم بعد ذلك تقبل فقد الطرف الآخر بعيوبه ومميزاته وتغيراته هو أيضًا تبعًا للظروف والسن والمواقف فالجميع يتغير ولا أحد يبقى على حاله.

ثم تقبل النقد المتبادل بين الطرفين، أتقبل نقد الطرف الآخر لعيوبي، رفضه لها، تذمره منها.

أتفهم أنه ليس أنا وبالتالي له مقياسه الخاص به.

وأخيرًا التسامح، التسامح المستند على تاريخ لعلاقة قوية جيدة المتعة، والراحة النفسية فيها أكبر من الشقاء.

هنا التسامح في الأخطاء مع إدراك المخطئ للخطيئة وندمه، والتسامح هنا يعيد العلاقة أقوى ويبث فيها روح جديدة.

لا تخافوا من العلاقات، لا تتجنبوا التفاعل الاجتماعي، خذوا بهذه الموازين وابذلوا جهد متبادل من العلاقة لتنعموا بأجمل نشاط إنساني بين البشر؛ العلاقات الصحية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.