تقول كيتلين البالغة من العمر 45 عاماً: “منذ كنت طفلة، لم ترفع أمي صوتها على قط، وعندما واجهتها باستيائي من معاملتها وانتقادها الدائم لي كانت ترد بقولها أن المشكلة كانت تكمن فيّ نظراً لحساسيتي الشديدة وأضافت قائلة:” كيف تتهميني بالإساءة إليك وأنا لم أرفع صوتي عليك ولا مرة واحدة؟” حسناً، تلك هي المشكلة ،فالإساءة يمكن أن تكون بهدوء ودون ضجيج.
الإساءة اللفظية أقل ضرراً!
الأمر ليس مجرد معايير تفرضها الثقافة السائدة بأن الإساءة اللفظية أقل ضرراً من الإيذاء البدني- وهو ليس صحيحاً- ولكن ما الذي يتبادر إلى أذهان الناس عند ذكر الإساءة اللفظية؟ انهم يتجهون إلى استرجاع صور أشخاص يصرخون وربما يتلفظون بأسوأالألفاظ. فهم يتصورون أن الشخص الذي يصرخ فقد السيطرة على اعصابه وربما أعماه الغضب بشكل كامل.
الإساءة الصامتة
في الواقع، إن بعض أسوأ أنواع الإساءة تكون بلا صوت، فالصمت عند توجيه سؤال ما إلي أحد الأشخاص يمكن أن له تأثير لكمة قويةموجهة إلى السائل، حيث أن الصمت يعزز إحساس السخرية والخزي.
إن الطفل الذي يتعرض للإساءة الصامتة يعاني من الارتباك العاطفي أكثر من نظيره الذي صرخ أحدهم في وجهه، وبتعبير أدق فإن غياب الغضب في لحظة الإساءة يرسل إشارات مختلطة إلى عقل المستقبل فضلاً عن أن الدافع وراء الصمت المتعمد أو رفض الإجابة عن سؤال هو أمر يستحيل على عقل الطفل أن يستوعبه.
هناك نوع معين من الألم يحدث للمرء إذا تمت معاملته وكأنه غير موجود، أو أنه لا تمثل أهمية في حياة الآخرين لدرجة أنه– في نظرهم- لا يستحق الرد على أسئلته. هل هناك ما هو أكثر إيلاما من مشهد والدتك وهي تتظاهر بأنها لا تراك على الرغم من هدوء ملامحها!
اثار للإساءة الصامتة
كل ما توصل إليه العلم حول آثار الإساءة اللفظية ينطبق على الأغلبية التي تواجه إساءة صامتة أيضاً ومن هذه الآثار:
- تغيير في التطور العقلي لدى الطفل.
- استبطان الرسائل التي يتلقاها الطفل وتحولها إلى عادات من النقد الذاتي بالإضافة إلى إرجاع الاخطاء التي يرتكبها الضحية إلى عيوب في شخصيته.
- تبني الضحية لنوع من التعلق المرضي ولأساليب غير مهايئة من التأقلم تتضارب مع أساليب التعلق الصحية الأخرى.
- وجود نوع معتل من الذكاء العاطفي ومشاكل في معالجة الأزمات وضبط المشاعر.
أنواع الإساءة الصامتة
هناك أنواع محددة من الإساءة اللفظيةالصامتة، وكل نوع منه يؤثر في الطفل بشكل مختلف عن الآخر. لا تقتصر تلك الآثار على مرحلة الطفولة وحسب، إنما تمتد إلى مرحلة النضوج بوسائل عدة. لقد صنفنا هذه الوسائل بطريقة وصفية أكثر منها علمية رغم أن العلم يؤكد هذه السلوكيات جميعاً.
1- الاختفاء: أن تكون مهملاً
الكثير من المعلومات التي يتلقاها الأطفال حول العالم المحيط والعلاقات تأتي إليهم مستعملة! فعن طريق استجابة الأم لردود فعل طفلها يبدأ الطفل في إدراك قيمته وانه يستحق اهتمامها؛ هذه هي بذور بناء التقييم الصحي للذات. فالأم الواعية تنقل الرسالة لطفلها بالأسلوب الآتي: “أنت ممتاز كما أنت” مانحة لطفلها الشجاعة والثفة لاكتشاف العالم من حوله.
2- الصمت القاتل: رفض التعاون
من وجهة نظر الطفل، يعد التجاهل أمر مؤلم مثل رفض التعاون ولكن له عواقب شعورية مختلفة خاصة كلما اقترب الطفل من مرحلة النضج؛ كالغضب الشديد والإحباط الذي يكون موجهاً للشخص الذي وجه له الإساءة أي-التجاهل. لذلك لا عجب أن يطلق العلماء على نوع العلاقات الذي يعتمد على الطلب المُلح من طرفِ والتجاهل المفرط من الطرف الآخر النمط الأكثر سُمية في العلاقات.
3- التجريح الصامت:الاحتقار والسخرية
يمكن ان تتم السخرية من الطفل دون صوت أو عن طريق لفتات أو ايماءات جسدية مثل حركة العين أو الضحك من تصرف أتاه الطفل أمام الحاضرين بحيث يتحول الطفل إلى أضحوكة الأسرة مثلاً. يعمد الأباء المسيطرون إلى استخدام هذا الأسلوب للإبقاء على ديناميات التربية داخل المنزل كما يريدونها أن تكون.
4- التضليل: تشكيك الطفل في أفكاره
يهدف هذاالأسلوب للتلاعب بالطفل بجعله يشك في تصوراته.
لا تحتاج هذه الطريقة إلى الصياح أو رفع الصوت، كل ما تحتاجه هو عبارة بسيطة تجعلك تعتقد بأن أمرا ما وقع بالفعل انه لم يحدث أصلاً مما يتسبب في نوع من عدم التوازن في علاقة الأبوين بالطفل التي من المفترض أن تكون أصلاً قوية- اعتماداً على مصداقية الأهل لدى أطفالهم باعتبارهم لا يخطئون وهنا مكمن الخطر.
ليست المشكلة فقط في أن الإساءة اللفظية غير متداولة في الأبحاث المسجلة فقط، وانما في أنها مسكوت عنها فضلاً عن أن آثارها الممتدة ليست مفهومة لدي العامة. فلنكف عن السكوت ونطرق هذا الأمر بقوة لنفتح المجال أمام دراسة المزيد من هذه الأنواع من الإساءة الصامتة.
أعداد وترجمة / أمل كمال
من موقع: Psychology today