عندما تدور الحرية في رُحى الرغبة؟

عندما تدور الحرية في رُحى الرغبة ؟

بقلم / رنا فضل السباعي

مستشار قانوني – كاتبة

CPLC Life Coach / مدربة حياة

هل للحرية تصور موحد ؟ وهل نعيش حريتنا على نسق واحد؟ وهل قراراتنا هي حصيلة الحرية المطلقة دون أي مؤثر؟ أم جزء منها أم لا شيء فيها من الحرية على الإطلاق؟ ماذا يحدث للحرية عندما تتحرك قراراتنا بشكل خالص في فلك الرغبة؟

كيف تتشكل حياتنا من ظرف ومضمون وتوابع كل قرار حر أو مقيد نتخذه؟

ما هي الحرية ؟

الحرية هي أثمن ما يمكن أن نعيشه ونحن نتخذ قرارًا أو ننتقي خيارًا بدون قيود تكبل طاقتنا أو إمكاناتنا.

إنها بالأصل ، مما لا نحتاج الى اكتسابه من العالم الخارجي لنشعر به.

لأننا ببساطة خُلقنا أحرارًا منذ الولادة وبالتالي هي ليست حقًا مكتسبًا أو منَة من أحد ، بل حق وجودي أصيل منبثق عن كرم الله سبحانه وتعالى لنعيشه بالتلازم والتلاصق.

والتوافق مع طبيعتنا البشرية ، فنتمكن بهذا الحق المتلازم أن ننطلق نحو غمار الحياة بكل رحابها وآفاقها وأن نطلق العِنان لطاقاتنا وإبداعاتنا على النحو الذي يحقق لنا أفضل ما بوسعنا.

إذن بمفهومها العام المجرد ، هي حق أصيل وجوهري وعلى أساس هذا المفهوم يفترض أن يُبنى المفهوم العملي والفردي الذي يعطي لهذا الحق قيمته ويجعلنا نعيش أهميته ولا يكون ذلك إلا من خلال الممارسة.

إن ممارسة الحرية نهج يختلف من فرد لآخر ولكنه وبصورته المثلى يتجسد هذا النهج بممارسة الحرية أولًا مع الذات.

من خلال الحرية في إعمال الفكر، في التحرر من قيود العواطف وتأثيراتها الفكرية، في انضباط السلوك وتغلبه على المغريات ، في المقدرة على كبح جماح الرغبات وموازنتها.

في صحة التصرف إزاء المؤثرات وفي الكثير من المظاهر التي تتبلور فيها الحرية في إطار منضبط يحفظ لها قيمتها كحق ويحفظ لنا نتاج ممارستها كنهج ننتفع به لا نتأذى منه.

نعم أن أكثر ما يمكن أن يترادف مع المعنى الحقيقي للحرية هو الانضباط لا التفلت.

وليس أدل على ذلك من أن هذا الحق قد ترافق مع الكثير من الضوابط لا القيود – القيود تنتقص أما الضوابط فتُهذب – في معظم الديانات السماوية.

والتعاليم الأخلاقية والأدبية حيث نجد أنه في مقابل الحقوق الممنوحة للفرد وللجماعة ضوابطًا لا بد من الإلتزام بها حتى يتحقق للمجتمع غاياته المرجوة بحسب كل دين ومعتقد.

ولكن تبقى الحرية ليست على تصور واحد على الإطلاق، نعم لها صورتها المثلى كما سبق ولكن عمليًا يبقى  لكل منا تصوره الخاص عنها وإحساسه الفريد بها.

فما يعتبره البعض حرية ويعيشه مستمتعًا ومكتفيًا به قد لا يرتقي لدى البعض الآخر الى أدنى تصوراته عنها فيرى الأخر بعين المقيد والآخر يراه بعين المتفلت .

الحرية
الحرية

مفهوم الحرية مع الذات

لنعد الى أنفسنا ونسأل هل نعيش الحرية بصورتها “المنضبطة” مع ذاتنا؟ هل نحن أحرار حقًا في الطريقة التي نفكر فيها عن أنفسنا في الكيفية التي نقدر بها إمكاناتنا ؟

واختياراتنا ورغباتنا هل نحن فعلاً من يريدها أم أنها من اللزوميات والوجوبيات في البيئة المحيطة من عائلة ومجتمع؟

هل نمارس الحرية مع الذات بالشكل الذي يتيح لنا أن نكون نحن كما نريد أن نكون لا كما تحدده لنا الآراء وترسمه التصورات وتقيده المخاوف؟

إن الحرية مع النفس يعني أن تتحرر من كل فكر أو تصور يجعلك ترى ذاتك بعين الدونية أو القلة وبأن الآخرين هم أفضل منك.

لأن هذا الاعتقاد هو القيد بحد ذاته وهو ما سيحد من مبادرتك نحو الحياة ويشل طاقتك ويجمد قدراتك.

ويكون من تبعاته أنه سواء توافرت لك الفرص لتحقيق ما تتمناه أو واجهتك الصعاب والتحديات.

وأنت تسعى لتحقيقه لن ترى نفسك أمام تلك هذه الفرص وتلك التحديات حتى قبل خوضها إلا ضعيفًا ومهزومًا.

إذن الحرية مع الذات تتطلب بالمقام الأول، التفكير الحر بـ تقدير الذات الغير مقيد باعتقادات خاطئة أو برأي سلبي مسبق أو بالسعي لاسترضاء لاحق.

خطوات تؤسس بها لذاتك قاعدة  ترتكز عليها بكل ثبات ومنها تنطلق لتحلق في رحاب التقدير الذاتي والاكتفاء النفسي.

وما أن تمهد لذاتك التحرك في ميدان حر من التفكير السليم والموضوعي- ” أي غير المبالغ فيه حد التوهم” – بما هي قادرة فعلًا على القيام به ، سوف تعمل لصالحك.

وتوفر لك الخيارات التي تراها الأكثر تناسبًا لك بشكل خالص دون أية مؤثرات سلبية تعيد تشكيلها ، ولأنها الخيارات الأكثر تناسبًا.

ستجد نفسك متحفزًا للنظر فيها دون إهمال أو تلكؤ أو تأجيل لتنتقي منها ما تجده الأصلح.

ليرتقي الى مرتبة قرار يسهم في تشكيل حياتك على النحو الذي تريده.

أنها المرحلة التي تعيش فيها وعيًا بقيمة ما لديك وتقديرًا لأهميته وحافزًا للمضي به نحو أهدافك.

الحرية
الحرية

الحرية والرغبة

وما يحدث أحيانًا أننا وبينما نعيش حريتنا تلك ، تراودنا رغبات فيها من الإلحاح والإصرار ما لا يمكن تفسيره.

فتجمح بنا عن سيرنا الحر فكرًا وتصرفًا لتلقي بتأثيراتها على استقرارنا النفسي وثباتنا الروحي بالشكل الذي يجعل الحياة تبدو معها وكأنها قد انقلبت رأسًا على عقب ولن تستقم الا بتلبيتها.

كالرغبة الملحة في تغيير وضع وظيفي ، أو عائلي أو تحقيق تطور مهني أو تأسيس لمهنة وغالبًا ما يأتي هذا الإلحاح في قالب من الحب أو النفور أو نفاذ المقدرة على التحمل والاستمرار.

وهنا يكمن السؤال هل نحن في ظل هذا الوضع أحرارًا فيما سنتخذه من قرار أم أننا مدفوعين بإصرار الرغبة وإلحالها؟

سؤال يحتاج الى إستبطان جريء ينتهي باعتراف صادق مع الذات عن حقيقة الدور الذي تلعبه الرغبة فعلًا في حياة كل منا .

وعن حجم الهامش الذي أتحناه نحن لها – بوعي أو بدون وعي – ومدى قوة تأثيرها على حريتنا الفكرية.

وفي إختيار ما نراه فكرًا وعقلًا ومنطقًا أنه الأفضل أم أن نكتفي بطلبه شعورًا فقط لأنه يلبي رغبة لا أكثر.

لنقف مع أنفسنا أمام سؤال الروائي المصري عبد السلام إبراهيم عندما تحدث عن الرغبة وقال:

 ‘هل الرغبة تفتت التوازن؟ أم يستطيع التوازن أن يخمد الرغبة فوق فراشها أو مهدها؟

أعتقد أنه لكل منا جوابه الذي سيتيح له الإطلاع على مدى حريته وتوازنه إزاء رغباته…

الحرية والرغبة
الحرية والرغبة
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.