أما آن الأوان لنخجل من أنفسنا؟! كتبة محمد عبد الخالق

قد يظن البعض “وكثير من الظن إثم” أن المرأة في كوكبنا العربي حصلت على حقوقها أو على أقل تقدير على معظمها، ولا يتبقى لها سوى خطوة واحدة فقط وتصل لحبل النهاية، ولا ينقصها عن مثيلتها الغربية سوي ما يرفضه ديننا ليس أكثر.

لا تدع القشرة الخارجية تخدعك وتوهمك بصحة الكلام في الفقرة السابقة، فمئات السنين التي مرت على البشرية لم تتمكن من تغيير تلك الرؤية الذكورية المتخلفة للرجل العربي لنصفه الآخر، القشرة الخارجية فقط تحمل آثار التقدم والتطور والمدنية، لكن هناك في الأعماق ترقد الحقيقة الكاملة بكل تخلفها وقمعها ونظرتها الدونية وأخلاق وأفكار الغابة.

خلف رداء المدنية وأثواب التطور وأقنعة التكنولوجيا والثقافة، لا تزال أفكار الحط من المرأة والتقليل من شأنها وربط وجودها بالمشاكل والتسبب فيها، قائمة ومستمرة ومتداولة في العقول وعلى الألسنة، تتناقلها الأجيال كتراث شفوي يتغلغل في مسامهم وعقولهم منذ ولادتهم سواء ذكور أو إناث، وهو ما يبرر خضوع بعض الإناث لهذه الأفكار التي تحط منهم وتقلل منهن قيمتهن، بل ومهاجماتهن شخصيا لكل حديث عن حريتهن وحقوقهن، في أجلى صور الاستسلام والتوحد التام مع الجلاد.

مها نجحت المرأة وحققت إنجازات وتفوقت في مجالات يصعب على بعض  الرجال خوضها، تظل محكومة بأفكار رجعية متخلفة، فالبنت غير مسموح لها السفر بمفردها لاستكمال دراستها، البنت غير مسموح لها بالاستمرار في دراستها العليا حتى لا يكبر سنها ويطلق عليها عانس.

تعمل المرأة وتجتهد وتكد وتحارب في مجتمع يتفنن في قهرها حتى تتمكن من الإنفاق على نفسها، وفي أحيان كثيرة على أسرتها بالكامل سواء عند غياب العائل وأحيانا في حضوره، وفي النهاية تهاجمها ألسنة ونظرات مريضة، أو تمتد عليها أيادٍ تستاهل قطعها.

حتى أولئك النساء اللاتي قررن التمرد ونجحن فيه، وفرضن رؤيتهن على الأسرة والمجتمع، لو بحثت في حياتهن ستخرج بمئات من قصص الوجع والألم، التي قد تختفي وراء قناع من النجاح وابتسامة سعادة مؤقتة … فالسباحة ضد التيار صعبة والنجاح فيها ثمنه باهظ.

هل فكرت يوما في أخذ جولة سريعة في الأمثال العربية (التي تعكس كما نعرف ثقافات ومعتقدات الشعوب على حقيقتها دون رتوش أو تزييف)؟ الأمر سهل ولا يتطلب منك سوى دقيقة واحدة على محرك البحث لتحصل على قائمة مذهلة طويلة من مقولات وأمثال اخترت لك منهم هذه المجموعة:

“ملحوظة: كل الدول العربية تتفق في مضمون تلك الأمثال حتى لو اختلفت اللهجة والصياغة”:

  • من أنجب ذكر ما مات
  • بكر المعاريس ولد
  • دلل ابنك يغنيك ودلل بنتك تخزيك
  • يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات
  • إن ماتت أختك انستر عرضك
  • تكبّر حيّة ولا بنيّة
  • إم الولد بخير وإم البنت بويل

ضف إلى هذا مثل هذه “الترنيمة” الشهيرة:

لما قالوا دا ولد انشد ضهري وانسند …  ولما قالوا دي بنية انهد ركن الدار عليا

هذا غير كنية “أم البنين” التي يتم إطلاقها من باب التكريم على الزوجة التي تنجب الذكور، أو مناداة الرجل باسم ابنه حتى لو كان أنجبه بعد عشر إناث.

كل هذا الذم والتقليل من قيمة وقدرة المرأة،

الكارثة أننا كمجتمع فشل في التفرقة بين العادات والتقاليد والثقافة الخاصة التي يجب التمسك بها والتباهي باستمرارها، وبين العادات الجاهلية التي ليس فقط قد تجاوزها الزمن، وإنما أيضا حرمها الله وذم من كانوا يعتقدونها، فهل تلك الآية الكريمة من سورة (النحل): “وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ” (59) لم تمر على آذان وعقول وقلوب العرب المسلمين؟!

أليس وصف القرآن الكريم لهؤلاء القوم، الذين يحقرون من الأنثى يتشابه ويكاد يتطابق مع تلك المعاني التي قرأناها في الأمثال العربية السابقة عن الأنثى؟!

أتفهم جيدا أن ثقافات وعادات الشعوب تحتاج سنين طويلة لتعديلها فما بالنا لو تحدثنا عن تغييرها، لكن ما لا أفهمه ولا أتفهمه ولا أجد له مبررا أن تحتاج هذه الثقافات والعادات قرونا (أكثر من 1500 عاما) لتغييرها، خاصة إذا كانت عادات ذميمة تعادي وتخالف الفطرة الإنسانية والأديان السماوية.

أما آن الأوان لأن نخجل –ولو قليلاً- من أنفسنا؟!

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.