عندما تعيشين بمفردك في مجتمعنا .. بالإضا فة الى انك فتاة وتلك جريمتك الأولى ، ففي هذا المجتمع العربي الجميل المتدين بطبعه ، ينظرون لك أنك خطيئة تسير على قدمين ، مرصودة ، أنفاسك محسوبة عليك ،كونك فتاة فهذا يعطيهم الحق بأن يحكموا عليك ، فهناك مفاهيم في مجتمعنا تجعلك كرجل تعتقد أنك الأفضل ، كنشر مقولة الرسول ” ناقصات عقل ودين ” دون التطرق للتفسير الصحيح لها ، وحتى لو كن ناقصات عقل ودين ولنا أسبابنا الفسيولوجية ، فعلى الأقل هناك أسباب !! الرجال ناقصون عقل ودين وبدون أسباب !!
لكن مبرره دائما أنه ” رجل ” ، فإذا خان ، ” معلش هو راجل ، إذا سب وشتم ، ” معلش هو رجل ” ، إذا رسب في دراسته ” هو رجل ” ، إذا تحرش ” هو رجل ” ، شرب مخدرات ” هو رجل ، وكأن كلمة رجل تعني أنه معوق ذهنيا مثلا !! أو فاقد للأهلية لا جناح عليه !
المهم .. وبناء عليه قررت أن تبني حواجز حول نفسها لتحميها ، ظنا منها أنها بذلك تحافظ على نفسها من الناس ومن كلامهم وتفاهتهم ، ونسيت قصص جحا الرجل الذي أرضى الناس ونسي أن يرضي نفسه ، فلم يسعد ولا نفسه ولا الناس !
بنت كل الحواجز التي ممكن أن تبنيها أي أسرة محافظة حول ابنتهم ، كان مبدأها ما اخاف من في العلن فلن أفعله ، كانت الأكثر تزمتا بين صديقاتها اللاتي يعشن مع أهلهن ، كانوا يقولوا لها دائما فكي مش كدة ، لا تضع الميكب ، ملابسها أصبحت رجالي حتى لا يتهمها أحد بالمياصة ، ثم تعودت ، نسيت كيف تصبح إمرأة ، لم تنجح في علاقة حب واحدة ، فدائما تبني الحاجز دون أن تدري .
فجأة وجدت نفسها سجينة حواجزها وقوانينها ، فجأة إستوعبت أن الوحدة كانت قرارها ، خافت من الناس رغم ضعفهم ، أصبحت تتعامل كالرجال لتأخذ حقها ، حتى لا يستضعفها أحد .
إبتعدت عن طبيعتها كإمرأة وكأنها سبة ، لكن بعد السنوات الطويلة ، جلست تتأمل حالها ، فصدمت بحقيقة مؤلمة ، ظلت تحارب المجتمع بطريقتها التي إختارتها معتقدة أنها إنتصرت عليه ، فإكتشفت في النهاية أن الهزيمة هي كل ما حصلت عليه ، خسرت كل شيء عمرها ، رونقها ، أنوثتها ، ونفسها .
المجتمع المتدين بطبعه الذي يحرم ويحلل تبعا لأهوائه .. يمكن أن يجعل حياتك جحيما ، خاصة أنه يستهدف المبدع ، صاحب الأفكار ، لأن هذا المجتمع العظيم كسول أيضا بطبعه ! وأنت كمبدع أو صاحب فكرة ستجعله يفكر أو يحاول أن يغير أو يتغير ، وهذا مجهود كبير لا يستطيع القيام به ، ألا يكفيهم السعي وراء أكل العيش بالفهلوة ؟!
فما بالكم لو كان المختلف أو المبدع أو صاحب الفكرة إمرأة ! ” داهية سودا ” ، سيتم قذفها بأقذر الألقاب واتهامها بأشنع الإتهامات ، وتصبح هي من قضت على نفسها وأهلها وكل من يعرفها هذه المنحرفة التي حاولت أن تتنفس !
كل هذا لم تكن تراه واضحا ، كانت الصورة بالنسبة لها مقبولة كما تعودت أن تراها ، إلا أن نتيجة سجنها لروحها سنوات طويلة أهدرت أحلى سنين العمر بسبب إهمالها لنفسها مع سبق الإصرار والترصد وبالتالي لم يهتم بها أحدا آخر . إقتربت أكثر من الصورة لتجدها مقلوبة ! وألوانها باهتة ، والكل يرى أن العيب في من يقول بأنها صورة قبيحة .. ومقلوبة .
السؤال هنا .. هل تبقى من عمرها من الوقت الذي ترسم فيه لوحتها الخاصة ، دون قيود ، دون حواجز أو هواجس أو أوهام ؟!! والسؤال الأهم هل ستستطيع ؟!
ربما تستطيع وربما لا ، ولكن من المؤكد أنها ستقف أمام أي شخص يحاول فرض الصورة المشوهة على أي فرد يراها على حقيقتها ، الأكيد أنها ستعيش الباقي من عمرها تحاول أن تسامح نفسها على خضوعها لأحكام مجتمع جاهل غبي مريض بالإزدواجية كان من المفترض عليها أن تعامله بضآلة وإحتقار بكل أفرادة القريب قبل البعيد .
الأكيد أنها علمت بأن الوحدة هي نتاج قراراتها وأنها ليست مجرد بنت عايشة لوحدها ..