عمر طاهر يكتب لمجلة حرة مقال جديد بعنوان : “نظرية نجاح الموجي”

القريحة المصرية التي جادت بتعبير “أنت راجل متجوز وعارف” كانت في أقصى لحظات سخريتها، الجملة التي أصبحت تنهي أي حوار به طرف غير قادر على إقناع الطرف الآخر بالكامل، بها من الأسرار ما يجعل الطرف الآخر يرضخ سريعًا … وأنت راجل متجوز وعارف.

نستخدم الجملة غالبًا في نهاية الحديث عن مأساة من النوع أقل من المتوسط، كعذر أو كمبرر لطريقة ما يتعامل بها قائل الجملة مع الوضع، غالبًا ليعبر بها عن قلة الحيلة المشروعة، قلة الحيلة غير النابعة عن ضعف ولكن نابعة عن (شراء الجمجمة) و(أكل العيش) و(تسيير المراكب)، قد يلجأ البعض الي تعبير آخر (الستات دماغها صغيرة)، لكن من يرى هذه الجزئية ميزة وليست عيبًا … من يراها (أوبشن) له جمالياته، وله مساوئه كأي شيء في العالم … من يرى أن الشريكة غير جديرة بجملة تحوي قدرًا من الإهانة من الحجم أقل من صغير … هذا الشخص يفضل أن يرتكن إلى قانون المؤسسة كله، دون أن يحمل على طرف بعينه (أنت راجل متجوز وعارف)!!

مع إن (الراجل المتجوز) في حد ذاته عبء من الحجم فوق الفظيع، ويتفنن في استخدام رخصة رجولته عشوائيًّا ولا إراديًّا بحكم المجتمع الذي نشأ فيه، أذكر من يومين سمعت دون أن أقصد أو أتعمد جملة قادمة من شقة إلى جوار الأسانسير في إحدى العمارات.

“عشان أنا الراجل”، لم يكن هناك أي تعليق على الجملة، فأدركت أن رجولة الجار كانت غاشمة لدرجة كفيلة بكتم أنفاس زوجته قلت لنفسي: لعله كان يمسك بالريموت كنترول، ربما زوجته تريد أن تتابع حلقة جديدة من المسلسل التركي المستوحى من مسلسل أمريكي شهير ومدبلج بالسوري، حتى تستمتع به امرأة متزوجة تعيش في العاصمة المصرية، بينما الزوج يريد أن يتابع الكابتن الشهير الذي تفوق في التحليل الكروي، فربنا كرمه واترقى وبقى يتكلم في السياسة بالطريقة نفسها التي كان يتحدث بها (نجاح الموجي) في المسرحية الشهيرة (تعرف إيه عن سياسة التوافق ياد يا مزيكا … يعني يا بخت من وفق راسين في الحلال.. دي سياسة أمك).

هذا المنطق الرجولي يسري في مناطق كثيرة بنفس سلاسة سريان الفئران في الغيطان … عشان أن الراجل … (أنا اللي أرد على تليفون البيت) (أنا اللي أفتح الباب) (ما ترديش عليَّ) (ما تحطيش ماكياج وإحنا خارجين) (إيه اللي انتي لابساه ده) (صوتك ما يعلاش وأنا بأكلمك) (قولي حاضر وبس) (الكلمة كلمتي) (ما تخرجيش غير لما تقوليلي) (ده بيتي أعزم فيه اللي أنا عايزه) (هي كلمة واحدة) (ما تقوميش ترقصي في الفرح) (مالكيش دعوه انتي).

ويا سلام عندما يستخدم الرجل هذه الرخصة على مائدة الطعام … مقومات الرجولة تتجلى في الحكم على مستوى الملح ودقة تقطيع الطماطم في السلاطة، وحسن قوام الأرز، ودرجة الأخضر بالنسبة للون الملوخية، ودرجة تحمير الفراخ ومدى طزاجة الخبز، الرجولة مرتبطة بأهمية أن تخلو السفرة من أي صنف لا يحبه الزوج، حتى لو كانت الزوجة تشتهيه (أبقى كليه عند أمك)، مرتبطة بأن يصل الطعام إلى فمه وهو في درجة حرارة مناسبة فلا هو شديد السخونة فيطيح بالطبق في وجه زوجته مع اتهام لها بأنها مؤذية، ولا هو بارد فيكون الحكم مزدوجًا وأنه: (أكلك بارد زيك).

هذا نوع من الرجال يستخدم كارنيه الرجولة؛ لأنه غالبًا لا يمتلك ما يدل على جنسه أمر آخر غير ما سبق، فالراجل اللي على حق يحصل على كل ما سبق إذا كان يرضيه دون أن يطلبه، هي دي بالذات أشياء لا تشترى، لكن من الممكن أن تستأجرها بالكارنيه، وستظل تستأجرها إلى أن تنفد صلاحية الكارنيه، ويتصل بك أصدقاؤك فترد المدام نيابة عنك قائلة: (لا والله الحاج نايم شوية) … وأنت راجل متجوز وعارف.

هذه الجملة يطرحها البعض من منطلق ساخر، والبعض من منطلق هو الرضا بعينه، والبعض من منطلق السؤال عما إذا كانت هناك بدائل أخرى، والبعض من منطلق الهروب من التقطيم وضرورة أن تسامحنى على خطئى لأنك ” راجل متجوز وعارف”.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.